المادة    
  1. ما يؤتى به من صيغ التشهد والصلاة الإبراهيمية

    وقع الخلاف بين أهل العلم فيما يأتي به المصلي من الكيفيات التي صحت في التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعض العلماء يرى أن المصلي يأتي بجميع الألفاظ مرة واحدة، فيكون قد عمل بجميع الروايات الصحيحة، وقال البعض الآخر: لا يأتي بجميعها -وهو الذي رجحه واختاره ابن القيم رحمه الله تعالى- بل يستعمل كل رواية صحيحة على حدة؛ فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مرة على رواية كعب، ومرة على رواية أبي سعيد، ويتشهد مرة بتشهد ابن عباس، ومرة بتشهد ابن مسعود، وبهذا يكون قد أتى بجميع الروايات الصحيحة دون تلفيق أو تركيب، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: هذا الاختلاف -في كيفية التشهد والصلاة على النبي- مثل الاختلاف في القراءات. فكما أن للإنسان أن يقرأ بأي قراءة من القراءات المتواترة في القرآن، فكذلك يصح له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ ثبت وورد، ويؤيد ذلك الحديث الذي ورد وهو: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن} فإذاً هي مثل القراءة، ولعل في ذلك تيسيراً على هذه الأمة.
  2. حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    مسألة: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
    ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله عشرة أقوال في المسألة؛ فمن العلماء من قال: إنها سنة بإطلاق، ومنهم من قال: إنها واجبة بإطلاق، ومنهم من قال: إنها واجبة في الصلاة وسنة في غيرها، وهي أقوال كثيرة، ولكن الراجح بالنسبة لحكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة -والله تعالى أعلم- أنها ركن من أركان الصلاة، وهذا هو الراجح من مذهب الإمام أحمد رحمه الله؛ فهي كقراءة الفاتحة أو القيام أو الركوع وما أشبه ذلك.
    أما في غير الصلاة، فهي واجبة عند ذكره صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن تترك إلا إذا سها عنها الإنسان أو نسيها. أما مع التذكر فلا يجوز للإنسان أن يترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولو تكرر ذكره في المجلس، وهذا جزء يسير من حقه صلى الله عليه وسلم على أمته.
    ومما يدل على وجوب الصلاة خارج الصلاة، ما رواه الترمذي والنسائي وغيره -وهو حسن- عن علي رضي الله عنه وعن ابنه الحسين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصل علي}، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلّ عليَّ...} وفي رواية: {بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليّ} وفي رواية أخرى: {من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ فأبعده الله} فإذا كان هناك إبعاد وإرغام للأنف -والرغام هو التراب، فكأنه قال: ألصق الله أنفه بالتراب- دل ذلك على وجوبها.
  3. معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    مسألة: ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
    اختلفت عبارات السلف في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنها بمعنى الدعاء، وقيل: الرحمة، وقيل الثناء، وقيل: الذكر والثناء، هذه هي أقوال السلف رضوان الله تعالى عليهم؛ كـأبي العالية، وابن عباس، وغيرهما؛ فالصلاة من الله عز وجل ثناؤه عليه وذكره له في الملأ الأعلى، وجاء هذا عن أبي العالية رضي الله تعالى عنه.
    فإذا قلنا: إن الله يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: أنه يثني عليه ويذكره في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم تكون بمعنى الدعاء له بذلك، ومن المؤمنين تكون كذلك مثل الصلاة من الملائكة.
  4. هل يصلى على غير الأنبياء؟

    مسألة: هل يصلى على غير الأنبياء؟
    قد عنون الإمام البخاري رحمه الله أحد أبوابه بهذا السؤال، فهل يقال: اللهم صلِّ على فلان، وهو غير نبي؟
    مرَّ بنا أن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبة، وأما على بقية الأنبياء فسنة مؤكدة، وإن قلنا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة مؤكدة، فتكون الصلاة على غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم سنة، إلا أنها في حقه آكد.
    أما على غير الأنبياء فحديث أبي أوفى المتفق عليه يدل على الجواز، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم صلِّ على آل أبي أوفى } بل إن قولنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، على القول بأن (آل محمد) هنا كل من تبعه على دينه، فإنه يدخل فيه الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أننا نصلي ونسلم على غيره صلى الله عليه وسلم تبعاً له، فإذا بدأنا به صلى الله عليه وسلم وألحقنا به بعض عباد الله الصالحين فلا بأس، أما إذا أفردنا الصلاة على فلان من الناس دون أن يكون تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم دائماً ولا هدي صحابته رضوان الله عليهم.
    ومن ذلك هذا الحديث المتفق عليه: {اللهم صلِّ على آل أبي أوفى } فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له مرة واحدة، فأنت إذا دعوت لشخص ما مرة واحدة فلا حرج عليك، وكما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على آل سعد بن عبادة، والحديث رواه أبو داود والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال: {اللهم صلِّ على آل سعد بن عبادة }، وكذلك جاء من حديث جابر كما رواه الإمام أحمد وابن حبان أن زوجته قالت: يا رسول الله! صل على جابر فقال: {اللهم صلِّ على جابر }، فهذه الثلاثة المواضع -حسبما ذكر الحافظ رحمه الله- صلّى النبي صلى الله عليه وسلم فيها على أشخاص بأعيانهم، والصلاة هنا يختلف حكمها عن قولنا: (رحمه الله، غفر الله له، رضي الله عنه)، فإن الدعاء بهذه الأمور لا بأس به ولا حرج مطلقاً.
    قد يسأل سائل ويقول: قولنا: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى ) هل معناه الثناء؟ لأنه إذا كانت الصلاة على النبي من الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى، فما الفرق بينه وبين غيره من المؤمنين؟ نقول: قد ورد حديث يدل على ثناء الله على عباده المؤمنين وهو: {أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه} ؛ غير أن هناك فرقاً بين ثناء الله سبحانه وتعالى على أحد من خلقه، وبين ثنائه على رسوله صلى الله عليه وسلم.
  5. المفاضلة بين الأنبياء

    تقدم تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم ثم موسى عليهما السلام، ويشكل عليه حديث صحيح متفق عليه من رواية أبي هريرة : { استب رجلان فلطم المسلم اليهودي -لأن اليهودي قال: والذي فضل موسى على سائر البشر- فجاء اليهودي يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء} . وقال في الحديث الآخر: {لا تفضلوني على يونس} فهل يتعارض ما ذكرنا سابقاً مع هذه الأحاديث الناهية عن المفاضلة بين الأنبياء؟
    قد سبق أن أجبنا على مثل هذا السؤال، فكان مما قلناه ووجهنا به هذه الأحاديث: أن هذا من باب تواضعه صلى الله عليه وسلم، أو أنه ينهى عن المفاضلة بين الأنبياء إذا أدى ذلك إلى التنقص أو النيل من المفضول، كذلك يقال: إن هذا التفضيل جاء من الله سبحانه وتعالى.